روايه بقلم ساره المصرى
الفصل الاول
تعلن الخطوط الجوية التابعة لمصر للطيران عن وصول رحلتها رقم 704 والقادمة من باريس تردد النداء فى انحاء المطار ليتنهد رجل فى منتصف الستينات تقريبا وهو يضيق عينيه ليعادل الرؤية التى ضعفت بفعل الزمن ويجول باحثا عن وجه غاب عن عينيه لسنوات طويلة وجه يحمل بملامحه ذكريات الطفولة وعنفوان الشباب وطيشه وجنونه اعوام طويلة فصلت بينهما الا ان الوصال لم ينقطع وان كان هاتفيا ربما كان هذا كافيا ليبقى ميثاق الصداقة قائما لكل هذا العمر رغم كل مافصل بينهما من مسافات أخذ يدقق النظر باحثا عن صديقه الذى قرر بعد اعوام طويلة العودة الى ارض الوطن مع ولديه حتى تلاقت اعينهما اخيرا ففتح كل منهما ذراعيه من قبل ان يقترب حتى من الاخر خطوات مسرعة متعثرة من كليهما دفعتهما فى النهاية الى عناق طويل وحميم بثا فيه كل ما اختزناه من مشاعر وذرفت فيه كثير من الدموع دموع الحنين لكل شىء للصحبة للوطن للاهل ولكل ذكرى حلوة كانت ام مرة دموع الكهولة ما اسهلها وما ايسر ان تراق فى لحظة وكأنها تخرج كل ما مر به الانسان على كل فترات حياته بعد دقائق استطاع كل منهما التخلص من بين ذراعى الاخر وان بقيت الايادى متشابكة بعض الشىء نظر محمود الى صديقه الغائب في حنين قائلا اخيرا يا سمير رجعت بلدك اخيرا
مد محمود يده للطفل ليصافحه فلم يستجب فأشار سمير الى عينيه ليمتقع وجه محمود فى صدمة فالطفل كفيف تخلص من صډمته ليمسك بكتفى على وينحنى مقبلا جبينه وهو يقول ازيك ياعلى معلش يابنى مش بعرف فرنساوى
اعتدل محمود فى دهشة فرؤية هذا الطفل بملامحه الغربية تلك يتحدث العربية تبدو مزحة بالفعل وقبل ان يعلق ابتسم سمير وهز رأسه وهو يشير الى فتاة تبدو فى منتصف العشرينيات تقف خلفه وهو يقول ودى ايلى ايلينا بنتى
يبدو ان هذا هو اليوم العالمى للذهول فقد فتح محمود ثغره وهو يتأمل تلك الفتاة التى وقفت تبتسم فى ثقة كانت على عكس شقيقها تحمل ملامح مصرية صميمة ورثتها بالطبع عن ابيها ويبدو انها لم ترث من امها ملمحا واحدا كانت قمحية البشرة بنية العينين وللدهشة كانت ترتدى حجابا بسيطا وانيقا يتناسب مع زيها الراقى والمحتشم قطعت ايلينا تأمله وهى تقول عمو محمود ازى حضرتك بابا كلمنا كتير عنك
ضحك سمير فأردف محمود بصراحة لما قولت انك جاى مع ابنك وبنتك متخيلتش انهم هيكونو كدة انا قولت هلاقى اتنين خواجات لكن اتفاجئت بيتكلمو عربى كويس وكمان ايلينا فرنساوية ومحجبة
نظر لها محمود فى اعجاب وقال ماشاء الله ياسمير عرفت تربى
قال محمود فى تأثر وهو يأخذ ولديه تحت ذراعيه مش لوحدى جانيت الله يرحمها كانت ليهم نعم الام
وضع سمير الصورة وهو يقول لمحمود فى امتنان كتر خيرك يا محمود لحد كدة كفاية اوى تعبتك فى تنضيفه وتجهيزه تانى
قال محمود فى عتاب احنا اخوات يا سمير وبعدين يعنى هوا انا اللى نضفته بنفسى ماهم الخدامين
واضاف وهو ينحنى قليلا اه بالمناسبة انا شوفتلك مكان مناسب للكافيه اللى انت عاوز تفتحه مع انى قولتلك ملوش لزوم وتشتغل معايا وانت اللى مش عاوز
هنا تدخلت ايلينا فى الحوار قائلة حضرتك برضه هتفتح كافيه فى مصر
هز سمير رأسه قائلا ايوة يا حبيتى انا مش بفهم فى حاجة غير كدة
هزت ايلينا رأسها فى تفهم ونظرت الى المكان فى تفحص سريع وقالت هشوف اوضا ليا واوضة لعلى عشان نستريح بعد اذنكو واخذت ايلينا بيد على وادخلته الى احدى الغرف كان كفيفا ولكنه ذكيا للغاية ويمتلك من الحكمة مالا يمتلكه من تجاوزه بالعمر سنوات لم يكن من هؤلاء الذين يتذمرون من اعاقتهم ليحيو حياة درامية بل كان متعايشا معها كأنه امر طبيعى قدر لكل البشر كعادته حين دخل الغرفة اخذ يتعرف عليها بلمساته ويحفظ كل شىء فى ذاكرته بسرعة ليستطيع التحرك بها فى حرية عقدت ايلينا ساعديها وهى تراقب اخاها بابتسامة ملاك حارس يراقبه دوما بعلمه او دون علمه فعلى لم يكن اخاها الاصغر بل هو صديقها المقرب الذى تستمع الى رأيه فى بعض الاوقات حين يعرض حلولا لمشاكلها بسيطة كبساطة تفكيره ونقية كنقاء قلبه الذى لم يلوث بنزاعات البشر بعد جلس على على طرف الفراش وقال وهو يخلع نظارته كدة حفظت الاوضة خلاص باقى الشقة لما ارتاح شوية
ربتت ايليلنا على كتفه قائلة تحب اساعدك فى حاجة حبيبى
ربت على يدها قائلا شكرا ايلينا بس ياريت لو تجيبيلى شنطتى من برة
احضرت له ايلينا الحقيبة وفتحتها ولم تتدخل كما يحب فهى واثقة فى قدرات على التى تجعل ايا كان يشك فى كونه كفيف من الاصل تحسس على الحقيبة واخرج ثوبا للنوم منها واعاد غلقها من جديد فقالت ايلينا تحب ارتبلك الهدوم فى الدولاب
بدأ على فى فك ازرار قميصه وهو يقول من امتى يا ايلينا بتساعدينى انتى عارفةانى بحب ارتب حاجتى بنفسى
قالت ايلينا بسرعة حبيبى انا مقصدتش حاجة انا اقصد ان المكان جديد مش اكتر
ابتسم على قائلا بس انا حفظته وحفظت كمان الدولاب فيه كام رف وكام دلفة ما تقلقيش همت ايلينا ان ترد لولا ان قطع رنين الهاتف صوتها فتنهدت ليقول على روحى ايلينا ردى على تليفونك وارتاحى شوية انتى كمان
نظرت ايلينا الى على قائلة فى جدية وهى تنظر الى هاتفها لو احتجت حاجة حبيبى بس ناديلى
ابتسم على بينما خرجت ايلينا لتفتج باب الحجرة المجاور لعلى مباشرة وتفتح المكالمة هاتفة بالفرنسية التى تجيدها اكثر من العربية فهى اللغة التى ظلت تتحدثها سنوات صوفيا كيف حالك عزيزتى
جاءها صوت صوفيا الساخر كيف حالك انتى وحال الصحراء التى سافرت اليها
امتعض وجه ايلينا وهى ترد مصر ليست صحراء ابدا صوفيا انا واثقة
انها
جميلة
ضحكت صوفيا قائلة ربما ولكن ليست اجمل من فرنسا وطنك يا عزيزتى
ابتسمت ايلينا وهى تتأمل الغرفة وهنا وطنى ايضا يا صوفيا
تنهدت صوفيا قائلة بالمناسبة حينما علم ريان بسفرك اقام