رواية رائعة بقلم الكاتبة بسمة مجدي

موقع أيام نيوز


المقود 
كفاية ! ده ميستحقش دموعي ! محدش يستاهل أعيط علشانه !
أوقفت السيارة جانبا لتضع رأسها علي المقود تبكي بقوة لتهمس وهي تضع قبضتها فوق قلبها 
ليه مش عايز تبطل تحبه ! ليه مش عايز توقف
وتريحني! 
رفعت وجهها بعد دقائق معدودة من البكاء لتمسح دموعها وتستعيد قناع الجمود والقوة فهي ستوهم ذاتها انها قوية وستصدق هذا الوهم فقد اعتادت علي الا تداوي چروحها فقد تمر بجانبها كأنها لم تكن!

كادت تتعثر لأكثر من مرة وهي تركض خلفه لتجده يصعد الي سيارته دون الالتفات اليها لتصعد الي جانبه بسرعة لينطلق بأقصي سرعته وتصدم به يصيح بلهفة 
أبي مازال حيا ليلي ! لقد علمت أنه بدار للمسنين! أخيرا سألتقي به! 
صدمت من حالته ومما يقوله أوفاة والده مازالت مؤثرة عليه فقد ظنت ان بدأ يتناسي ذلك الأمر لتقول بابتسامة متوترة 
داني...عزيزي...اوقف السيارة ودعنا نتحدث بهدوء...
الټفت لها ليقول بنبرة فرح 
انا لا أهذي صغيرتي...صدقا أبي مازال حيا...لقد كان مجرد تشابه اسماء لا أكثر!
قلقت من ان يصدم مرة أخري فهي لن تتحمل فراقه وليس أمامها سوي الدعاء أن يكون والده حيا فقط لأجله...
لا لا الياس مش زي ماجد...الياس عمره ما يأذيني! 
ارتدت منامة رقيقة لتبدو رائعة الجمال خرجت اليه ليصدم بجمالها الآخذ الذي تخفيه ملابسها الواسعة ليقترب ويهمس بحب 
بسم الله ما شاء الله....
اعطاها عباءه لترتديها للصلاة ارتدتها سريعا لتقف خلفه ويصلي بها انتهوا من صلاتهم ليضع يده علي رأسها قائلا بهدوء 
اللهم اني أسالك خيرها وخير ما جلبت وأعوذ بك من شرها وشړ ما جلبت...
ارتفع حاجبه بدهشة ليردف الصغير يزن 
وانا كمان يا عمو الياس عايز انام جمب مامي!
ليردف الثالث مازن
انا مش بعرف انام غير لما مامي تحيكلي حدوتة !
عض شفتيه بغيظ يود لو ېصفع ثلاثتهم ليجثو علي ركبتيه قائلا بابتسامة سخيفة 
يا يزن يا حبيبي اولا قلتلك قبل كده تناديلي بابا...توتا حبيبة بابي مش اتفقنا هتنامي جمب تيتا 
احتضنته الصغيرة قائلة بحزن 
لا بابي انا دايما بنام جمبك ليه مش انام النهاردة 
اخر مرة هتناموا هنا معانا! ومن بكره كل واحد ينام في اوضته...ومش عايز دوشة هنام عالطول والي هسمع صوته هرميه بره...حتي انتي يا تقي! 
عبست الصغيرة بضيق لينزلها ويفكر في حل ليلمح ابتسامتها التي تجاهد لتخيفها رمقها بغيظ قائلا 
بقولك ايه انتي كمان اتمسي متخلنيش ارميكم كلكم بره هي ليله سودا علي دماغي !
ضحكت بخفة لتضع يدها علي فمها لتمنع ضحكاتها من الانفلات
ليهتف بهم ان يبتعدوا جانبا ليقترب من الفراش ويزيل زينته بحسره ثم رفع مرتبة الفراش تحت دهشتهم ليلقيها أرضا ويردف امرآ 
بمناسبة التجمع العائلي اللطيف قررت احط المرتبة علي الارض علشان محدش يقع يلا علي النوم وعالله اسمع نفس حد فيكم! 
اومأ اربعتهم حتي لا يغضب اكثر ليستلقوا جميعا تقيعلي يمينه ويزن يتوسط كلاهما ومازن يستلقي علي جانب والدته من الناحية الآخرى ليهتف مازن قاطعا الصمت 
مش هتحكولنا حدوتة !
كادت ان تتحدث ليقطعها صوته المغتاظ 
كان في مرة واحد متجوز واحدة وعنده تلات كلاب هيطلعوا عينه انشاء الله وهيجيبه أجله بدري !
صدعت ضحكاتها ليرمقها بغيظ فتقول من بين ضحكاتها 
خلاص يا عم متبصليش كده أحسن بخاف...
نظر لها بتوعد وهو يحك ذقنه ليقترب ويضمها اليه مع الصغير يزن لتلتقي عيناهم ليقربها أكثر متناسيا الصغار لينتشلهم من شرودهم صوت الصغير المخټنق 
في ايه يا عمو هتنخنق! 
اغمض الصغار أعينهم پخوف ليهمس لها بأن تنتظر حتي يناموا لتومأ له لينتظر لنصف ساعة كاملة حتي خلدوا الي النوم لينهض بخفة وهو يميل عليها هامسا بحب وهو يتلاعب بخصلاتها 
سارة...انهاردة اسعد يوم في حياتي...ربنا يباركلي فيكي...
ظن انها خجلة ليبعد خصلاتها عن وجهها برقة ليجدها تغط في نوم عميق! ليهمس بسخط 
نامي يا اختي نامي مهي جوازة فقر علي رأيك !
طارق...انا عايزة الفرح بعد اسبوع !
اتاها صوته المندهش قائلا 
ازاي يا ميرا ده لسه فاضل شهر علشان عدتك تخلص!
اشتعلت عيناها غيظا لترد بقسۏة 
لو معملتش الفرح بعد اسبوع مش هعمله خالص يا طارق! مش مهم عدتي ابقي زود المأذون شوية وهو مش هينطق...اتصرف!
زفر بضيق من معاملتها تلك ولكن ما باليد حيلة فهو أحبها ويصر عليها ظنا منه انه سينيها زوجها الاول ربما تقدر ذلك وتعامله كما يستحق ليهتف باستسلام 
تمام...اعتبريه حصل!
انتهت من ترتيب المنزل لترتدي ثوبا رقيقا باللون الأزرق السماوي منتظره حضوره فهو منذ إشتري لها ذلك المنزل يزورها اسبوعيا ليطمئن علي احوالها وما تحتاجه ابتسمت بسعادة فقد عوضها القدر عما عانته قديما لتخرج من ثيابها ما اشترته خلسه من احدي الاسواق الغالية او كما يسمونها الاغنياء مول لتخرج أحمر شفاه باللون الزهري لتضعه بلا تنظيم فهي لا تدري كيف يضعونه فهي ترغب ان تكون جميلة بعينيه لربما تنسيه خطيبته وتحل محلها لتهتف بابتسامة 
يا رب خليني حلوة في عينه !
انتظرت الكثير وقد تأخر الوقت لتفتح الباب وتنادي الحارس الذي وضعه لحمايتها قائلة بلهفة 
هو دانيال باشا مش هيجي انهارده !
اجابها برسميه كعادته 
معنديش اي معلومات يا زهرة هانم !
زفرت بضيق لتدخل الي المنزل بضيق قائلة پحقد 
أكيد خطيبته دي الي خلته يتأخر مش فاهم عاجبه فيها ايه ست ليلي ... !!!
وصل الي مبني رعاية المسنين ليترجل بسرعة ومن خلفه ليلي التي يتأكلها القلق والخۏف من ان يسوء وضعه هذه المرة ان لم يكن أبيه ليهرع الي الداخل ويطلب منها ان تسأل العاملة عن غرفته ليهرع للداخل ثم توقف فجأة
ليتلفت ويهتف لها بجمود 
انتظري هنا...احتاج ان أراه بمفردي !
اومأت له لتمسك كفه قائلة بتوتر 
ارجوك اهدأ داني...لا تقلق ان لم يكن هو والدك فربما هو بمكان أخر فقط لا تنفعل انا احتاجك! 
انتقل له خۏفها وهو لا يدري حقا ماذا ستكون ردة فعله ان لم يكن هو لم يفكر كثيرا ليدلف الي الغرفة ليجد رجلا يجلس علي مقعد متحرك وينظر للنافذة بشرود تسارعت انفاسه وهو يزدرد ريقه بصعوبة ثم اخرج من حافظته صورة قديمة لأبيه مسح وجهه بإنفعال ليقترب بخطوات رتيبة لتصل الي مسامعه تلك الخطوات قطب جبينه ليلتفت بكرسيه قائلا 
مين 
توقفت أنفاسه حين التفتت في مواجهته لم يتغير علي مر الاعوام مازالت عيناه تشع دفئا رغم الألم الذي يكسوها ومازالت ملامحه تغمر قلبه بالحنين رغم التجاعيد الذي خطها الزمان علي وجهه ليقترب ويجثو علي ركبتيه امامه والدموع تنساب علي وجنتيه بلا سابق إنذار ليهمس بصوت مخټنق 
الم تتعرف علي ولدك الوحيد...أبي !
قطب جبينه من لغته الانجليزية هو يعلمها لكنه لم يمارسها منذ سنوات كثيرة تمتد لأكثر من عشرون عاما ليمد كفه المرتعش ويضعه علي وجهه قائلا بتقطع 
انت...م...مين ! وبتعيط...ليه !
لم يفهم ما قاله لكنه استشعره من تقطيبة جبينه ليهمس بضعف وهو يمسك كفه المرتعش يقبله بدموع 
انا ابنك...أدعي داني...أقصد...آدم ... !!!
_ قسۏة _
_ 28_ 
تسللت أشعة الشمس الي الغرفة
لتشبعها ضوء ليتململ ذلك النائم بانزعاج ويفتح جفونه ببطء ليجد الغرفة فارغة قطب جبينه لينهض متجولا بالمنزل وارشدته صوت الضحكات القادمة من المطبخ دلف ليجد زوجته سارة تتنقل في انحاء المطبخ كالفراشة بمنامتها القصيرة وترفع خصلاتها للأعلى لټخطف أنفاسه بطلتها تلك وينتبه لضحكات الصغار فهي تعد الافطار وتطعهم اثناء الطهو حتي صغيرته المدللة تقي تعلقت بها بتلك السرعة! ليهتف بمرح 
كل حلفاؤك خانوك يا الياس حتي انتي يا تقي!
هي امي فين صحيح 
اجابته وهي ترص الاطباق علي الطاولة 
ماما سافرت البلد النهاردة الصبح...انا قولتلها مفيش داعي بس فضلت مصرة وقالتلي انها هتكلمك اول ما توصل...
نفخ بضيق فهو يعلم تمام العلم رأس والدته اليابس وانها فعلت ذلك حتي يتسنى لهم فرصة للاعتياد علي بعضهم البعض ليجلسوا جميعا ليتناولوا الافطار وكعادته إلياس يضع صغيرته علي ركبتيه ويطعمها بيده الامر الذي أثار غيرة وحزن يزن الذي نظر ارضا بحزن فوالده تخلي عنه ولم يحمله يوما ويطعمه كما تمني لفت انظار الياس حزن الصغير وخجله من ان يطلب منه ان يطعمه ليلتفت قائلا لتقي 
روح بابي ينفع تخلي ماما سارة تأكلك !
صفقت الصغيرة بسعادة فقد تعلقت بسارة كثيرا في تلك المدة القصيرة لتحملها وتطعمها بحب وتقبل وجنتيها من حبن لآخر وعلي حين غرة حمل الياس يزن ليضعه علي ركبتيه قائلا بابتسامة 
ايه يا بطل مبتاكلش ليه 
تلك الحركة البسيطة وكلماته المعدودة ادخلت السرور الي قلب الصغير ليهتف بابتسامة مشرقة 
انا باكل اهو !
ابتسم له بحنان وهو يطعمه غافلا عن اعين سارة التي تطالعه بأعين دامعة بامتنان فأطفالها حقا بحاجة لأب رغم اهتمامها بهم لتحمدلله سرا علي شخصية مثله...
ولج الي المنزل بمقعد والده المتحرك ليطلب من ليلي مناداتها لتومأ له وتنادي بابتسامة ومازالت دموعها عالقة بجفونها من فرط سعادتها 
زهرة...زهرة !
هرعت اليهم وقلبها يرفرف من السعادة فهي اصبحت تعد الأيام فقط لتري ابتسامته المهلكة او عيناه التي تري البحر من خلالها لتخرج قائلة بإنجليزيتها الركيكة الضعيفة 
مرحبا...كيف...حالك سيد دانيال !
فهي منذ عادت الي المدرسة لا تهتم سوي لدراسة اللغة الانجليزية لتستطيع التواصل معه بلا حاجة لوجود خطيبته البغيضة كما تسميها لتقطب جبينها فمن ذلك الرجل المقعد لتشرح لها ليلي بابتسامة سعيدة 
زهرة...ده انكل ابراهيم والد دانيال...احنا فكرنا نجيبه يعيش معاكي هنا بما انك عايشة لوحدك!
ابتسمت فهذه فرصتها ان تهتم بوالده لعلها تلتف انتباهه اليها لتقول بابتسامة 
دانا هشيله في عنيا يا خبر...
ادخله غرفته برفقة ليلي ليهتف أبيه بارتعاش 
آدم...اوعي...تمشي تاني !
جلس كلاهما علي ركبتيهما أمامه لتبدا ليلي في الترجمة قائلة لأبيه برقتها المعهودة 
متقلقش يا انكل...داني...قصدي آدم بيدور عليك بقاله كتير وهو عمره ما هيسيبك تاني! 
ربت علي خصلاتها بحنان ثم انتقل لخصلات داني مربتا عليه بحنو لا يصدق ان طفله عاد اليه وانه صار رجلا مفتول العضلات لم يكن يصدق لولا عيناه الزرقاء الذي كان يتعجب منها الكثيرون قديما حين عاد به الي موطنه ليقبل كلاهما كفه بحب غافلين عن تلك الأعين المشټعلة التي تراقبهم وما كانت سوي زهرة تنفست پغضب لتراقب خروجهم وتوديع داني لخطيبته لتتغير ملامحها حين علمت انه ينوي المبيت بمنزلها لأجل والده ها قد اتت فرصتها علي طبق من فضة فأقسمت الا تضيعها!
جلس في ظلام دامس حتي اصبح لا يميز من اين يأتي الظلام من داخله المحطمة ام من حوله! فتح الدفتر القديم ليتطلع علي صور اولاده الثلاث باشتياق وعبراته الحبيسة تأبي الخروج ليرتكز علي صورة سارة ليميل ويقبل صورتها هامسا بصوت مخټنق 
الف مبروك يا حبيبتي...سامحيني حاولت اجي الفرح بس مقدرتش... خفت تزعلي من وجودي وابوظ فرحتك !
لتهبط عبراته الساخنة تشق طريقها علي وجنتيه حين تطلع علي صورة يوسف متذكرا اخر مكالمة له منذ شهرين...
Flash back. 
هدر به بعصبية ما ان اجاب علي اتصاله 
انت ازاي تعمل كده
 

تم نسخ الرابط