الدهاشنة بقلم آية محمد رفعت
المحتويات
عادوا للسرايا لاستقبال يومهم الاعتيادي من جديد وتلاه قمر لليل جديد وتتبعه الأخر حتى انقضى شهرين كاملين قضوه بالعمل وبعدد كبير من العمال نجحوا أخيرا بإعادة بناء سرايا فهد الدهشان من جديد وكأن ببنائها ذاك لمحة لتسلل شعاع نور مختلف عن ذي قبل فمن يصدق بأن من ساهم ببناء هذا المبني هو بنفسه أكبر عدو كان يخشاه أفراد العائلة فبات من أفرادها المقربون واليوم قد ختم بوضع اللمسات الأخيرة وقد بات جاهزا لسكنته حيث إختار آسر بناء السرايا بلمسة حديثة يغمرها جانب من الصعيد فمن يقف مقابل البناء يحتار حقا بتصنيفه إن كان حديثا أم سرايا فخمة تابعة لأحدى عائلات الصعيد المرموقة فشعر من يقف مقابلها ويتأمله بسعادة وثقة لترك مهامها لابنه الذي أبدع بمعاونة الشباب بجعلها مميزة للغاية وقبل أن تخطو قدما به أشار فهد لآيان قائلا
احتازته دهشة جعلته يتساءل في ذهول
_ليه أنت هتطردني بدري كده يا كبير!
ضحك فهد حتى ظهرت أسنانه البيضاء ثم قال
_لا مش هنتخلى عنك واصل بس مكانك معتش بالمندارة.. مكانك جوه سرايا فهد الدهشان.
ثم استرسل باستنكار
_اوعاك تكون ناسي انك جوز بنت الكبير يعني يحقلك في البيت زيك زي اللي فيه..
_المكانة دي أخدتها بسببك وبسبب آسر وعلى فكرة بقى لو مكنتش سمحتلي اني أدخل كنت هدخل لاني اتعودت على الشباب.
ضحك فهد بصوت مسموع ثم أشار له بالاقتراب فضمھ لصدره وصعد به للأعلى فولج من باب سراياه الخاصة يدا بيد فوجد الجميع بانتظارهما بالداخل وكأنهم يتوقعوا وجوده كونه جزءا من العائلة لا ينكر بأنه كان ينوي المغادرة بصحبة زوجته لسراياه ولكن فرصة تواجده بصحبة من أصبحوا عائلة له ثمينة وبالطبع لن يخسرها وخاصة اليوم لانه مميزا بالنسبة لعبد الرحمنفاليوم هو زفافه كما وعده فهد من قبلبأنه لن يخطو بداخل سراياه دون أن يعلن زواجه وما فعلته تالين جعل الجميع يحترمها حقافقد رفضت أن يقام لها حفلا ضخما مثلما اعتادوابل طالبت الاحتفال بوجود العائلة ومن ثم تسافر بصحبة زوجها لاداء عمرة أفضل من كل تلك الترتيبات المعتادةلذا استقبل عمروسليمخالدوريماس من مطار القاهرة الدولي لحضور تلك المناسبة السعيدة فما أن توقفت السيارة حتى أسرعت رؤى وتالين لأحضان والدتهم التي بدت بصحة متحسنة عما قبلفكانت تعاني من مرضا خبيث أخفته عنهما طوال تلك المدة فكان يصر خالدعلى البقاء بالخارج لاجل علاجها ولكنه لم يرغب أن يبوح لابنتيه بما يعلمه ضمتريماس تالين لاحضانها وهي تردد بسعادة بالغة
بكت على صدرها وهي تردد بحزن
_متقوليش كده يا ماماربنا يخليكي لينا يا ررب..
انضمت لهما روايةفاحتضنتها بفرحة وهي تلومها بضيق
_ده كلام تقوليه لبناتك في يوم زي ده انتي كويسة وزي الفل اهو ده اللي يشوفك يقول عليكي اختهم مش امهممش كده ولا ايه يا نادين..
_شيلي العين عنك شيلي لو اعرف ان السفر بيحلي كده كنت سفرت من زمان انا وابو العيال..
تعالت الضحكات بينهنفقالت ريم
_تسفري وتهميلنا كيف وبعدين انتي عايزة ايه تاني ما انتي خدتي بنتها لابنك بدر!!
ضحكت نواره ثم قالت
_بناتها الاتنين خطفناهم ولو في واحدة تالته كنا هنجوزها برضه من هنا..
_انا مش هسافر تاني كفايا غربة بقى انا عايزة اقعد وسط بناتي..
احتضنتها رؤى وهي تتوسل لها برجاء
_ياريت يا ماما كفايا كده..
فصلتهما نادين وهي تعنفهما بعتاب_انتوا جاين تعيطوا في فرح البت لا بقولكم ايه فوقوا كده ورانا ليلة طويلة مش كده ولا ايه يا بنااات..
_افرحي ببناتك ومتزعليش على اللي فاتك ربنا هيعوضك بلمتهم حواليكي يا بتي..
منحتها ابتسامة مشرقة ثم صفقت بيدها مثلهما وهي تتابع رقصات الفتيات..
بالصالون..
انتبه آيان لإشارة آسر له بالجلوس لجواره فدنى منه ثم جلس بدأت الفتيات بتوزيع الحلوى وأكواب العصائر عليهما واختاروا الجلوس بركنا جانبي يمكنهم من رؤية وسماع الجميع وبذات الوقت يبعد عن الأعين فقال فهد لخالد حينما قال بثبات
_اللي حصل من كام شهر كان خير لتجديد السرايا وتقوية علاقتنا بابن المغازي..
ابتسم آسر ثم قال بإعتراض
_من قبلها وهو أثبت ده.
ضحك سليم ثم قال
_ من أول ما جيت اهنه وأني كنت خاېف عليك من ولدي بس اللي مصدقتهوش انه اتقبل وجودك وحابه.
انتقلت النظرات تجاه بدر الذي تنحنح قائلا
_ما أنت اللي عملته زمان مكنش هين.
مازحه آيان
_خليك محضر خير إحنا جاين نتكلم عن الحاضر.. هتنبش باللي فات ليه..
ضحك أحمد ثم قال
_هو بدر كده طول عمره عصبي وحمش على الرغم من ان أنا اللي المفروض كنت أعاملك بالعصبية والكره ده بس اتقبلتك أسرع منه..
ضحك الجميع ولكنه بتر على وجه أحمد حينما لمح الحزن يقبع بداخل حدقتي زوجته فانسحبت بهدوء دون أن يشعر بها أحدا.
اتجهت الأعين تجاه عبد الرحمن الذي نهض ليقترب من مقعد عمه فانحنى على ركبتيه ليكن بنفس مستوى المقعد ثم قال بعاطفة عله يستميله
_عمي أنت طول عمرك راجل كريم والبلد بتحلف بكرمك..
أجابه فهد بمكر ساخر
_لساك عايز ايه جواز وجوزتك لسه ايه تاني!
أضاءات مصابيح وجهه وهم بالوقوف على قدميه وهو يردد بسعادة
_تديني افراج بقى عايز أطلع انا وعروستي.
تعالت ضحكات الشباب الرجولية واحتلهما مزح ساخر على ما يفعله فقال سليم بسخرية
_معرفش الواد ده متصربع على الجواز كدليهالمفروض يا
كبير كنت تعاقبه شهرين تلاته عشان يتعلم الصبر..
جحظت عينيه في صدمة
_شهرين تلاتهخليك محضر خير يا عمي..
ثم دفع بدر قائلا
_ما تشوف أبوك يا عم..ده أحنا حتى نسايب!
رد عليه بسخط وهو يكمل تناول الحلوى
_ولا أعرفك.
لكزه يحيى هو الاخر پغضب
_ما تلم نفسك يالاانا حاسس ان شوية كمان والكبير هيديك حبس انفرادي في الاسطبل مع عمي ذكريا..
هز رأسه نافيا
_محدش يقدر يحبسني انا قتيل النهاردة..
كاد آسر بخنق رقبته فقال وهو يكز على أسنانه
_البنات قاعدين هتحترم نفسك بالذوق ولا نظامك أيه
كاد آيان بالاختناق فقد كان يتوسط جلستهمالذا فصل بينهما وهو يردد بضيق
_عبده المرادي مش هشيل عنكفاحترم نفسك واقعد في جنب..
كاد بأن يجيبه ولكن كممت الأفواه حينما نهض فهد عن مقعده ثم أشار لهما وهو يتجه للدرج
_الوقت اتاخر كل واحد ياخد مرته و يطلع أوضته.
نهض عبد الرحمن عن مقعده وتساءل بضحكة تكاد تصل للاذن
_وأنا يا كبير
ضحك جاسم وهو يقول
_لا الواد ده مش طبيعي.
ردد خالد پخوف مصطنع
_أنا ابتديت اخاڤ على البت..
منح فهد نظرة صارمة لعبد الرحمن ثم قال
_خد عروستك واطلع وخد بالك لو جالي منك شكوى انت عارف عقابك هيكون أيه!
أعدل من جرفاته وهو يجيبه بارتباك
_ربنا ما يجيب مشاكل..
فصعد بها للأعلى ومن خلفه الشباب فكأنما منحهما الأذن لنيل حرية بعد قيد احتجزهما لأشهر كانت بالنسبة لهم كالأعوام لذا صعد كلا منهما بصحبة زوجته للأعلى ليعود عاطفة الشوق الذي تمكنت من حجر القلوب العاشقة برباط قاس!
بغرفة أحمد الخاصة..
صعد متلهفا لرؤياها وخاصة بعد مغادرتها فلم يكف عقلها عن التوقف بالتخمين حول سبب انزعاجها أمازال يزعجها مجرد تلميحه بالعلاقة التي جمعته بروحينا سابقا!
بحث عنها بالغرفة حتى وجدها تجلس على المقعد الأبيض القريب من الشرفة الخاصة بغرفتهما دنى منها أحمد ثم جلس على ركبتيه ليكن من أمامها فجذب يديها وقربهما من شفتيه ببطء سلب زمامها فطبع قبلة رقيقة على خد يدها فارتجفت أصابعها التي تحتضن لهيب شفتيه فتقابلت عينيها الدامعتين بعينيه المتعبة من لوعة الفراق فتحرر لسانه بعد فترة من الصمت
_كل ما بحس إنك بتتضايقي لما بتكلم أنا أو أي حد عن العلاقة اللي كانت بتجمعني بروجينا بحزن إنك مش واثقة في حبنا..
ثم ارتفع بجسده قليلا ليتمكن من محاصرة خديها بيديه واقترب بوجهه منها وهو يهمس
_ الزعل اللي بشوفه في عيونك بېقتلني.
ثم استند بجبهته على جبهتها وهو يسترسل
_أنتي الوحيدة اللي عارفة اني كنت بحبك من البداية بس اللي ماسة عملته خلتني عاجز أني أرجع وأعيد نفس الغلط لأن ده كان هيكسر أبويا للمرة التانية وأنا مقبلش بده.
هزت رأسها نافية ثم ابتعدت للخلف حتى يتمكن من سماعها ورؤية عينيها الصادقة
_عارفة كل ده يا أحمد ومالوش لزوم نتكلم فيه لأن روجينا دلوقتي بقى ليها حياتها الخاصة وإحنا لينا حياتنا.
تعمق بالتطلع لعينيها فشعرت بتشكيكه لما قال فرفعت يدها تزيح خصلاتها التي تعبث بجفنيها ثم قالت باستسلام
_مش هنكر اني كنت بتضايق لما بشوفكم بتتكلموا ومع إني واثقة ان مستحيل تتخطى حدودك بس ڠصب عني كنت بغير عليك وبحس جوايا بۏجع مالوش أي مبرر.
وتدفقت دمعتها تباعا وهي تستطرد
_زي دلوقتي أنا ماليش أي حق أزعل لانك متخطتش حدودك انت كنت بتتكلم عادي جدا ومع ذلك أنا زعلت..
نهضت حور عنه وكأنها تتهرب من رؤية عينيه التي ستفضح ما يشعر به بتلك اللحظة ثم قالت پبكاء
_فمتحاولش تبرر حاجة لإني أنا اللي غلط يا أحمد مش أنت..
انتصب بوقفته ثم لحقها فلف ذراعيه من حولها وأجبرها على التراجع حتى بادت تقابله فډفن رأسه بين رقبتها حتى لمسته خصلات شعرها الطويل فأغلقت عينيها بتأثر قربه المهلك لإنذار عشقها الضعيف وخاصة حينما همس لها بصوته الرخيم
_مزعلتش من كلامك يا حور بالعكس أنا فرحان انك بتحبيني أكتر ما كنت متخيل.
ابتسامته المهلكة تلك أنعشت خفقات قلبها وزحزحت ذاك الحجر العالق فوق رباط رغباتها استدارت لتكن مقابله فتعمقت بالنظر لعينيه التي اشتاقت لهما وشفتيها ترتجف كلما تعلقت عينيه بها حتى سمحت له بالاقتراب فاقترب ليصطحبها للعالم الذي لم يجمعهما منذ فترة..
بغرفة عبد الرحمن
ولج من خلفها ليغلق باب الغرفة فافزعها صوته الصاخب لعقت تالين شفتيها وهي تتراجع للخلف بارتباك وخفة فلم يعيقها الفستان فكان تصميمه بسيطا مميزا يعلو كتفيه بفراشات بيضاء ويهبط باتساع من الاسفل خلع عبد الرحمن جاكيته الاسود وجرفاته بضيق فلم يعتاد على ارتداء الحلى من قبل اړتعبت تالين مما يفعل فتراجعت للخلف وصوتها المرتعش يهمس پخوف
_أنت بتعمل أيه!
تفاجئ من هيئتها ورجفة جسدها من شدة الخۏف فقال بابتسامة هادئة وهو يشير لها بالاسترخاء
_أنا عارف ان هزاري خلاكي تاخدي عني فكرة طين بس أنا والله بريء من أي ظنون تطاردك كده أو كده أنا بس بفك الجرفات لانه خانقني مش أكتر..
كلامه لم يؤثر بها فكانت تتراجع للخلف متجاهلة ما يبرر بقوله فتناست تماما طرحة فستانها الطويل فدعستها بقدميها رغما عنها فأسرع عبد الرحمن تجاها ثم أمسك بيدها ولكن اختل توازنها فسقطت على الفراش
متابعة القراءة